فصل: بَابُ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ فِي الْكَعْبَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ:

الْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ) «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّاسُ: إنَّمَا انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ «: انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ لَا تُرْسَلُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُرْسِلُهَا اللَّهُ تَعَالَى لِيُخَوِّفَكُمْ بِهَا فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَاذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى وَاسْتَغْفِرُوهُ» ثُمَّ الصَّلَاةُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَنَا كُلُّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَسَجْدَتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُلُّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعَيْنِ وَسُجُودَيْنِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ كَأَطْوَلِ صَلَاةٍ كَانَ يُصَلِّيهَا فَانْجَلَتْ الشَّمْسُ مَعَ فَرَاغِهِ مِنْهَا» وَفِي الْكِتَابِ ذَكَرَ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي الْكُسُوفِ ثُمَّ كَانَ الدُّعَاءُ حَتَّى تَجَلَّتْ» وَهُوَ كَانَ مُقَدَّمًا فِي بَابِ الْإِخْبَارِ فَإِنَّمَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا يَصِحُّ مِنْهَا فَدَلَّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ جَازَ الْأَخْذُ بِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَجَازَ الْأَخْذُ بِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ بِسِتِّ رُكُوعَاتٍ وَسِتِّ سَجَدَاتٍ» وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ بِثَمَانِ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» وَبِالْإِجْمَاعِ هَذَا غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَعْهُودِ فَكَذَلِكَ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَّلَ الرُّكُوعَ فِيهَا فَإِنَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَمَلَّ بَعْضُ الْقَوْمِ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ وَظَنَّ مَنْ خَلْفَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ رَأْسَهُ فَرَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ثُمَّ عَادَ الصَّفُّ الْمُتَقَدِّمُ إلَى الرُّكُوعِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَرَكَعَ مَنْ خَلْفَهُمْ أَيْضًا وَظَنُّوا أَنَّهُ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَمِثْلُ هَذَا الِاشْتِبَاهِ قَدْ يَقَعُ لِمَنْ كَانَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ وَاقِفَةً فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي صَفِّ الصِّبْيَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلِهَذَا نَقَلَا كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُمَا وَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانَ أَمْرًا بِخِلَافِ الْمَعْهُودِ فَيَنْقُلُهَا الْكِبَارُ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيْثُ لَمْ يَرْوِهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ دَلَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قُلْنَا ثُمَّ هَذِهِ الصَّلَاةُ لَا يُقِيمُهَا بِالْجَمَاعَةِ إلَّا الْإِمَامُ الَّذِي يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ فَأَمَّا أَنْ يُصَلِّيَ كُلُّ فَرِيقٍ فِي مَسْجِدِهِمْ فَلَا لِأَنَّهُ أَقَامَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا يُقِيمُهَا الْآنَ مَنْ هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى إنْ شَاءُوا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءُوا أَرْبَعًا لِأَنَّ هَذَا تَطَوُّعٌ وَالْأَصْلُ فِي التَّطَوُّعِ أَدَاؤُهَا فُرَادَى إنْ شَاءُوا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءُوا أَرْبَعًا وَذَلِكَ أَفْضَلُ ثُمَّ إنْ شَاءُوا طَوَّلُوا الْقِرَاءَةَ وَإِنْ شَاءُوا قَصَّرُوا ثُمَّ اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ حَتَّى تَنْجَلِي الشَّمْسُ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ الِاشْتِغَالُ بِالتَّضَرُّعِ إلَى أَنْ تَنْجَلِيَ وَذَلِكَ بِالدُّعَاءِ تَارَةً وَبِالْقِرَاءَةِ أُخْرَى وَصَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ «قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى كَانَ بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ» فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُطَوِّلَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَأَمَّا كُسُوفُ الْقَمَرِ فَالصَّلَاةُ حَسَنَةٌ وَكَذَلِكَ فِي الظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» وَعَابَ أَهْلُ الْأَدَبِ عَلَى مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا اللَّفْظِ وَقَالُوا: إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَمَرِ لَفْظُ الْخُسُوفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ} وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْخُسُوفُ ذَهَابُ دَائِرَتِهِ وَالْكُسُوفُ ذَهَابُ ضَوْئِهِ دُونَ دَائِرَتِهِ فَإِنَّمَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ هَذَا النَّوْعَ بِذِكْرِ الْكُسُوفِ ثُمَّ الصَّلَاةُ فِيهَا فُرَادَى لَا بِجَمَاعَةٍ لِأَنَّ كُسُوفَ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ فَيَشُقُّ عَلَى النَّاسِ الِاجْتِمَاعُ وَرُبَّمَا يَخَافُ الْفِتْنَةَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهَا بِالْجَمَاعَةِ وَالْأَصْلُ فِي التَّطَوُّعَاتِ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا مَا خَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ وَكُسُوفَ الشَّمْسِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ بِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَا يُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقَامُ وَلَا يُؤَذَّنُ لِلتَّطَوُّعَاتِ وَلَا يُقَامُ فَدَلَّ أَنَّهَا لَا تُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ (قَالَ) وَلَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَجْهَرُ بِهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُضْطَرِبٌ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ فَيَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ.
وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ حَرْفٌ مِنْ قِرَاءَتِهِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ» وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ النَّهَارِ وَفِي الْحَدِيثِ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا مَشْرُوعَةٌ (قَالَ): وَلَا يُصَلَّى الْكُسُوفُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ (قَالَ): وَلَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ إنَّمَا فِيهَا الدُّعَاءُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يُصَلِّي فِيهَا رَكْعَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ كَصَلَاةِ الْعِيدِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَكْبِيرَاتٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَهُوَ رِوَايَةُ بِشْرِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِيهَا تَكْبِيرَاتٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ» وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} فَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِالِاسْتِغْفَارِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ «يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا» وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ لَمَّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو فَمَا نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ حَتَّى نَشَأَتْ سَحَابَةٌ فَمُطِرْنَا إلَى الْجُمُعَةِ الْقَابِلَةِ» الْحَدِيثُ وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ فَمَا زَادَ عَلَى الدُّعَاءِ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَالَ: لَقَدْ اسْتَسْقَيْت لَكُمْ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يَسْتَنْزِلُ بِهَا الْمَطَرُ وَرُوِيَ أَنَّهُ خَرَجَ بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَجْلَسَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَوَقَفَ بِجَنْبِهِ يَدْعُو وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِعَمِّ نَبِيِّك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا بِدُعَاءٍ طَوِيلٍ فَمَا نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ حَتَّى سَقَوْا فَدَلَّ أَنَّ فِي الِاسْتِسْقَاءِ الدُّعَاءَ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ وَالْأَثَرُ الَّذِي نُقِلَ أَنَّهُ صَلَّى فِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاذٌّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَمَا يَحْتَاجُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ شَاذٌّ وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي دِيَارِهِمْ ثُمَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَخْطُبُ الْإِمَامُ بَعْدَ الصَّلَاةِ نَحْوَ الْخُطْبَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدُّعَاءُ فَلَا يَقْطَعُهَا بِالْجِلْسَةِ وَقَدْ وَرَدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ حَدِيثٌ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ فَإِذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ خُطْبَتِهِ قَلَبَ رِدَاءَهُ وَصِفَتُهُ إنْ كَانَ مُرَبَّعًا جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا جَعَلَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ حَدِيثٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَلَا تَأْوِيلَ لَهُ سِوَى أَنْ يُقَالَ تُغَيَّرُ الْهَيْئَةُ لِيَتَغَيَّرَ الْهَوَاءُ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ فِي خُطْبَتِهِ عَلَى عَصًا وَأَنْ يَتَنَكَّبَ قَوْسًا بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ وَهَذَا لِأَنَّ خُطْبَتَهُ تَطُولُ فَيَسْتَعِينُ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى عَصًا وَإِذَا قَلَبَ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ لَمْ يَقْلِبْ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّاسَ فَعَلُوا ذَلِكَ حِينَ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ.
وَتَأْوِيلُهُ إنَّهُمْ اقْتَدُوا بِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا سُنَّةٌ كَمَا خَلَعُوا نِعَالَهُمْ حِينَ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَكُونُ مِنْ سُنَّةِ الْخُطْبَةِ يَأْتِي بِهِ الْخَطِيبُ دُونَ الْقَوْمِ كَالْقِيَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: إنْ شَاءَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَإِنْ شَاءَ أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ عِنْدَ الدُّعَاءِ سُنَّةٌ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِعَرَفَاتٍ بَاسِطًا يَدَيْهِ كَالْمُتَضَرِّعِ الْمِسْكَيْنِ» وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُونَ الْمِنْبَرَ فِيهَا كَمَا بَيَّنَّا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ (قَالَ): وَلَا يَخْرُجُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إنْ خَرَجُوا لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ بِهِ أَثَرٌ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي عَهْدِ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَخْرُجُ النَّاسُ لِلدُّعَاءِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إلَّا فِي ضَلَالٍ وَلِأَنَّهُمْ بِالْخُرُوجِ يَسْتَنْزِلُونَ الرَّحْمَةَ وَمَا يَنْزِلُ عَلَى الْكُفَّارِ إلَّا اللَّعْنُ وَالسَّخَطُ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبْعِيدِ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» فَلِهَذَا لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ (قَالَ): وَيَنْصِتُ الْقَوْمُ لِخُطْبَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَعِظُهُمْ فِيهَا وَفَائِدَةُ الْوَعْظِ إنَّمَا تَظْهَرُ بِالْإِنْصَاتِ وَلَيْسَ فِيهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَا يُشْكِلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ بِالْجَمَاعَةِ إنَّمَا فِيهَا الدُّعَاءُ فَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا فُرَادَى وَذَلِكَ فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا صَلَاةٌ بِالْجَمَاعَةِ لَكِنَّهَا تَطَوُّعٌ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَيْسَ فِيهَا أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.بَابُ الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ فِي الْكَعْبَةِ:

(قَالَ): وَإِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَفَ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ وَتُحَلَّقُ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ يَقْتَدُونَ بِهِ فَيُجْزِيهِمْ بِهِ جَرْيُ التَّوَارُثِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وَالْقَوْمُ كُلُّهُمْ قَدْ اسْتَقْبَلُوا الْقِبْلَةَ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ فَيُجْزِيهِمْ إلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ وَكَانَ مُسْتَقْبِلًا الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى حَائِطِ الْكَعْبَةِ مِنْ الْإِمَامِ فَهَذَا مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْإِمَامِ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فَإِنْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ تَقْتَدِي بِهِ وَقَدْ نَوَى إمَامَتَهَا فَإِنْ اسْتَقْبَلَتْ الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ فَاسِدَةٌ لِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ فِي صَلَاةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَإِنْ اسْتَقْبَلَتْ الْجِهَةَ الْأُخْرَى لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاةُ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ عَنْ يَمِينِهَا وَمِنْ عَنْ يَسَارِهَا وَمِنْ خَلْفِهَا بِحِذَائِهَا لِوُجُودِ الْمُحَاذَاةِ فِي حَقِّهِمْ فَإِنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَتْهَا هِيَ وَإِنْ كَانُوا يُصَلُّونَ فُرَادَى لَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ أَحَدٍ بِالْمُحَاذَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ (قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ الْكَعْبَةُ تُبْنَى وَقَدْ أَظْرَفَ فِي الْعِبَارَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ كَرِهَ إطْلَاقَ لَفْظِ الِانْهِدَامِ عَلَى الْكَعْبَةِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ يُفْهَمُ هَذَا الْمَقْصُودُ فَإِذَا تَحَلَّقَ النَّاسُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّوْا هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ شَيْءٌ مَوْضُوعٌ لَا يُجْزِئُهُمْ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْقِبْلَةَ هِيَ الْبِنَاءُ وَالْبُقْعَةَ جَمِيعًا فَإِنَّ الِاسْتِقْبَالَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إلَى الْبِنَاءِ فَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْقِبْلَةُ هِيَ الْكَعْبَةُ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ بِنَاءٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَلَا تَرَى أَنَّ الْبِنَاءَ لَوْ نُقِلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَكُونُ قِبْلَةً وَقَدْ رُفِعَ الْبِنَاءُ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ حِينَ بُنِيَ الْبَيْتُ عَلَى قَوَاعِدَ الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَفِي عَهْدِ الْحَجَّاجِ حِينَ أَعَادَهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَجُوزُ الصَّلَاةُ لِلنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بِنَاءٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ اتِّخَاذِ السُّتْرَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِقْبَالِ الصُّورَةِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِتَعْلِيقِ الْأَنْطَاعِ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ بِمَنْزِلَةِ السُّتْرَةِ لَهُمْ (قَالَ) فَإِنْ صَلَّوْا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ النَّافِلَةُ وَالْمَكْتُوبَةُ فِيهِ سَوَاءٌ وَقَالَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الْمَكْتُوبَةِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُسْتَقْبِلًا جِهَةً فَهُوَ مُسْتَدْبِرٌ جِهَةً أُخْرَى وَالصَّلَاةُ مَعَ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ لَا تَجُوزُ فَيُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَفِي التَّطَوُّعِ الْأَمْرُ أَوْسَعُ وَقَاسَ الصَّلَاةَ بِالطَّوَافِ فَإِنَّ مَنْ طَافَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ لَا يُجْزِئُهُ طَوَافُهُ.
(وَلَنَا) أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ جُزْءٍ مِنْ الْكَعْبَةِ وَقَدْ اسْتَقْبَلَهَا بِيَقِينٍ وَالْفَرْضُ وَالنَّفَلُ فِي وُجُوبِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ سَوَاءٌ فَإِذَا جَازَ أَدَاءُ النَّفْلِ فِي الْكَعْبَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَكَذَلِكَ الْفَرْضُ وَلَيْسَ الصَّلَاةُ كَالطَّوَافِ فَإِنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ لَا فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّوَافَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ حِينَ دَخَلَهَا؟ فَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ فِيهَا» وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا «أَنَّهُ صَلَّى فِيهَا رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَمِنْهُ إلَى الْحَائِطِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ» فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ قَدْ تَحَلَّقُوا حَوْلَهَا كَمَا ذَكَرْنَا أَجْزَأَهُمْ وَإِنْ كَانُوا مَعَهُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ وَجْهُهُ إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ أَوْ إلَى يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ إلَى يَسَارِهِ يَجُوزُ.
وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ وَجْهُهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الصُّورَةِ وَإِنَّمَا لَا تَجُوزُ صَلَاةُ مِنْ ظَهْرِهِ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ وَصَلَاةُ مَنْ كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَقْبَلَهَا الْإِمَامُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْحَائِطِ مِنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَرَّوْا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَاقْتَدُوا بِالْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ عُلِمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِمَامِ فِي الْجِهَةِ هُنَاكَ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ إمَامَهُ غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ الْقِبْلَةَ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَهَاهُنَا كُلُّ جَانِبٍ قِبْلَةٌ بِيَقِينٍ فَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ الْخَطَأَ فِي صَلَاةِ إمَامِهِ فَجَازَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَمَنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ جَازَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْبِنَاءَ مُعْتَبَرٌ فِي جَوَازِ التَّوَجُّهِ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَعِنْدَنَا الْقِبْلَةُ هِيَ الْكَعْبَةُ فَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ وَبِالِاتِّفَاقِ مَنْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ لِلْبِنَاءِ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ بَلْخِي قَالُوا بِالِاتِّفَاقِ لَوْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ وَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ إكَافًا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَتَعَلَّقَ جَوَازُ الصَّلَاةِ بِاسْتِقْبَالِ الْإِكَافِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِالْبِنَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

.كتاب السجدات:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ).
(قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَسَائِلُ هَذَا الْكِتَابِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُصُولٍ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْهَا أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ لَا يَكُونُ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الرَّكْعَةِ الْكَامِلَةِ، وَإِنَّمَا تَتَقَيَّدُ الرَّكْعَةُ بِالسَّجْدَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ زِيَادَةُ السَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ يُفْسِدُهَا وَمِنْهَا أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَفْعَالِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا شُرِعَ مُتَكَرِّرًا لَا يَكُونُ رُكْنًا وَتَرْكُهَا لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا، وَمِنْهَا أَنَّ الْمَتْرُوكَةَ إذَا قُضِيَتْ اُلْتُحِقَتْ بِمَحَلِّهَا وَصَارَتْ كَالْمُؤَدَّاةِ فِي مَوْضِعِهَا وَمِنْهَا سَلَامُ السَّهْوِ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَإِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَجِبُ بِتَأْخِيرِ رُكْنٍ عَنْ مَحَلِّهِ وَيُؤَدَّى بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَنَا وَمِنْهَا أَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْبِدْعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ يَتْرُكُهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْبِدْعَةِ لَازِمٌ وَأَدَاءُ السُّنَّةِ غَيْرُ لَازِمٍ.
وَمِنْهَا أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ سُنَّةٌ وَقَعْدَةُ الْخَتْمِ فَرِيضَةٌ وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا فَسَدَتْ مِنْ وَجْهٍ يَجِبُ إعَادَتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَصِحُّ مِنْ وُجُوهٍ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ، وَمِنْهَا أَنَّك تَنْظُرُ فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إلَى الْمَتْرُوكَاتِ مِنْ السَّجَدَاتِ وَإِلَى الْمَأْتِيِّ بِهَا، فَعَلَى الْأَقَلِّ مِنْهَا تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ، وَأَدِلَّةُ هَذِهِ الْأُصُولِ قَدْ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَجُلٌ صَلَّى الْغَدَاةَ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً قَالَ يَسْجُدُ تِلْكَ السَّجْدَةَ وَيَسْتَوِي إنْ ذَكَرَهَا قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ رُكْنٌ فَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَسْجُدُهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَتْرُوكَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى اُلْتُحِقَتْ بِمَحَلِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَهِيَ مُؤَدَّاةٌ فِي مَحَلِّهَا؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ تُنْتَقَضُ بِالْعُودِ إلَيْهَا، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَهَا بِقَعْدَةِ الْخَتْمِ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إمَّا لِتَأْخِيرِ رُكْنٍ عَنْ مَحِلِّهِ أَوْ لِزِيَادَةِ قَعْدَةٍ أَوْ لِلسَّلَامِ سَاهِيًا.
وَلَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ تَقَيَّدَتْ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَهُمَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ رَكَعَ ثُمَّ قَعَدَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَهُمَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَكَانَ مُصَلِّيًا رَكْعَةً وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَإِذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ أَنَّهُ كَيْفَ تَرَكَهُمَا أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَصَلَّى رَكْعَةً إلَّا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالسَّجْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَدَأَ بِالرَّكْعَةِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِاشْتِغَالِهِ بِالنَّفْلِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالسَّجْدَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ رَكْعَةٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ السَّجْدَةِ وَالسَّجْدَتَيْنِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ لَا يُفْسِدْ الْفَرِيضَةَ؛ فَلِهَذَا بَدَأَ بِالسَّجْدَتَيْنِ، وَإِنَّمَا تَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَجْهُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إذَا فَسَدَتْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ يَكْفِي ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ، فَإِنْ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَعَدَ بَعْدَهُمَا لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَيْنِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَقَعْدَةُ الْخَتْمِ فَرِيضَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ رَكْعَةً كَانَتْ هَذِهِ الْقَعْدَةُ بِدْعَةً وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْبِدْعَةِ وَالْفَرِيضَةِ يَجِبُ أَدَاؤُهُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَاذَا لَا تَأْمُرُهُ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى حَتَّى لَا يَكُونَ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَيْنِ؟ قُلْنَا: هَذَا تَرَدُّدٌ بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْبِدْعَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِمِثْلِهِ.
وَلَوْ فَعَلَهُ كَانَ مُتَطَوِّعًا بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَكَمَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَةٍ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ إذَا أَضَافَ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى لِجَوَازِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهَذَا، وَإِنْ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَنَقُولُ: هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ مَا سَجَدَ إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً وَبِالسَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَتَقَيَّدُ إلَّا رَكْعَةً وَاحِدَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً لِيُتِمَّ بِهَا رَكْعَةً، ثُمَّ لَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَلَكِنْ يُصَلِّي رَكْعَةً، ثُمَّ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِالسَّجْدَةِ قَضَاءَ الْمَتْرُوكَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَتَى بِسَجْدَةٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ.
وَإِذَا لَمْ يَنْوِ بِهَذِهِ السَّجْدَةِ الْقَضَاءَ تَتَقَيَّدُ بِهَا الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ، فَإِذَا قَامَ بَعْدَهَا، وَصَلَّى رَكْعَةً كَانَ مُتَنَفِّلًا بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، فَإِذَا نَوَى بِهَا الْقَضَاءَ اُلْتُحِقَتْ بِمَحَلِّهَا وَانْتَقَضَ الرُّكُوعُ الْمُؤَدَّى بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ فَلِهَذَا يَنْوِي بِهَا الْقَضَاءَ فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَهَذَا رَكَعَ رُكُوعَيْنِ وَلَمْ يَسْجُدْ شَيْئًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ لِيُتِمَّ رَكْعَةً ثُمَّ لَا يَقْعُدُ، وَلَكِنْ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (قَالَ) رَجُلٌ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً قَالَ: يَسْجُدُ تِلْكَ السَّجْدَةَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ لِمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ، وَإِنْ كَانَ تَرَكَهَا مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ تَرَكَهُمَا أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَعَدَ بَعْدَهُمَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً، وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَرَكَهَا مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ.
وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ وَسَجْدَةٌ فَيَبْدَأُ بِالسُّجُودِ احْتِيَاطًا فَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ يَقْعُدُ لِجَوَازِ أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً، وَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ فَقَطْ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَمِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَمِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَيَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ وَيَبْدَأُ فَيَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً وَيَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الثَّانِي، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، ثُمَّ يَقْعُدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.
(قَالَ) فَإِنْ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ فَنَقُولُ: الْمَأْتِيُّ بِهِ مِنْ السَّجَدَاتِ هَهُنَا أَقَلُّ فَنَبْنِي التَّخْرِيجَ عَلَيْهَا فَنَقُولُ: إنَّمَا أَتَى بِثَلَاثِ سَجَدَاتٍ فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهَا فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ وَرَكْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ سَجْدَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ فَيَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ لَا يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَعْدَةَ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، فَإِنَّهُ إنْ تَمَّ لَهُ رَكْعَتَانِ فَالْقَعْدَةُ لَهُ سُنَّةٌ، وَإِنْ تَمَّ لَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فَالْقَعْدَةُ بِدْعَةٌ فَلَا يَقْعُدُ، لَكِنْ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي، وَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا سِتَّ سَجَدَاتٍ فَإِنَّمَا أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ، وَإِنْ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فَيَحْتَاطُ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ لَا يَقْعُدُ لَكِنَّهُ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ.
(قَالَ): فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا سَبْعَ سَجَدَاتٍ فَهَذَا مَا أَتَى إلَّا بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِالسَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَتَقَيَّدُ إلَّا رَكْعَةٌ فَيَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ، وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْقَعْدَةُ الْأُولَى مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا ثَمَانِ سَجَدَاتٍ فَهَذَا رَكَعَ أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ وَلَمْ يَسْجُدْ شَيْئًا فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ فَيُتِمُّ بِهَا رَكْعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ.
(قَالَ) رَجُلٌ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً قَالَ: يَسْجُدُ تِلْكَ السَّجْدَةَ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا بَيَّنَّا، فَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ، وَإِنْ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَيَسْجُدُ أَوَّلًا سَجْدَتَيْنِ احْتِيَاطًا ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ، وَإِنْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَسَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ فَيَحْتَاطُ فَيَسْجُدُ أَوَّلًا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي (قَالَ): فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَهَذَا إنَّمَا أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ فَيَبْدَأُ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ لَا يَقْعُدُ، وَلَكِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي.
(قَالَ): فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا خَمْسَ سَجَدَاتٍ فَإِنَّمَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً وَبِالسَّجْدَةِ الْوَاحِدَةِ لَا يَتَقَيَّدُ إلَّا رَكْعَةٌ فَيَسْجُدُ سَجْدَةً لِيُتِمَّ بِهَا رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا، وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ سُنَّةٌ وَيَقْعُدُ بَعْدَهُمَا، وَهِيَ قَعْدَةُ الْخَتْمِ، فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا سِتَّ سَجَدَاتٍ فَهَذَا رَكَعَ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ وَلَمْ يَسْجُدْ شَيْئًا فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
(قَالَ) رَجُلٌ صَلَّى الْغَدَاةَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى رَكْعَةً كَامِلَةً قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّ الْقَعْدَةَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً لَمْ يَرْتَفِعْ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَالرَّكْعَةُ تَتَقَيَّدُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ لَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً فَيَكُونُ مُصَلِّيًا لِلرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَتْرُوكَاتِ مِنْ السَّجَدَاتِ مَتَى كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الْمَأْتِيِّ بِهَا أَوْ مِثْلَ الْمَأْتِيِّ بِهَا لَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْتِيُّ بِهَا أَقَلَّ فَالْآنَ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ حَتَّى إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَهَذَا إنَّمَا أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِسَجْدَتَيْنِ إلَّا رَكْعَتَانِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُصَلِّي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ؛ فَلِهَذَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً؛ لِأَنَّ مِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْنِ، وَمِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً.
(قَالَ): وَإِنْ كَانَ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ فَهَذَا مَا سَجَدَ إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً فَيَسْجُدُ سَجْدَةً أُخْرَى ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ قَدْ صَلَّى الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ وَبِزِيَادَةِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
(قَالَ) رَجُلٌ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، وَتَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً كَامِلَةً قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرِيضَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا لَمْ يَرْتَفِعْ الْفَسَادُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ مِنْ خَمْسِ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ قِيلَ: إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَتَيْنِ لِمَاذَا لَا يُجْعَلُ هَاتَانِ السَّجْدَتَانِ مِمَّا هُوَ خَطَأٌ، وَهُوَ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ حَتَّى يَرْتَفِعَ الْفَسَادُ؟ قُلْنَا: وَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ الْفَسَادُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَالصَّلَاةُ مَتَى فَسَدَتْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ يَكْفِي ذَلِكَ لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ احْتِيَاطًا، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سِتَّ سَجَدَاتٍ فَقَدْ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ مَا أَتَى إلَّا بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ فَيَتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ وَجْهُ الْإِتْمَامِ أَنْ يَقُولَ مِنْ وَجْهٍ: عَلَيْهِ قَضَاءُ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ سَجَدَ سَجْدَةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَمِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَةٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَتَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ، وَمِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ سَجَدَ أَرْبَعًا فِي رَكْعَتَيْنِ فَيَحْتَاطُ فَيَسْجُدُ أَوَّلًا أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الثَّانِي ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا سَبْعَ سَجَدَاتٍ فَإِنَّمَا أَتَى بِثَلَاثِ سَجَدَاتٍ، فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهَا فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَرَكْعَةٌ، وَإِنْ كَانَ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَرَكْعَتَانِ فَيَحْتَاطُ فَيَسْجُدُ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا ثَمَانِ سَجَدَاتٍ فَإِنَّمَا أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ، وَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فَيَسْجُدُ أَوَّلًا سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا تِسْعَ سَجَدَاتٍ فَإِنَّمَا أَتَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَسْجُدُ سَجْدَةً لِيُتِمَّ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ، وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ سُنَّةٌ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيَقْعُدُ لِخَتْمِ صَلَاتِهِ، فَإِنْ تَرَكَ مِنْهَا عَشْرَ سَجَدَاتٍ فَهَذَا قَدْ رَكَعَ خَمْسَ رُكُوعَاتٍ وَلَمْ يَسْجُدْ شَيْئًا فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ.
فَإِنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ حَتَّى صَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَةً كَامِلَةً، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سَجْدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا لَمْ يَرْتَفِعْ الْفَسَادُ لِجَوَازِ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً فَلَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا خَمْسَ سَجَدَاتٍ فَقَدْ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ مَا سَجَدَ إلَّا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهَا إلَّا ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ فَيَتَيَقَّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مُصَلٍّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ أَتَى بِثَلَاثِ سَجَدَاتٍ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ، وَإِنْ كَانَ أَتَى بِسَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَسَجْدَةٍ فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ وَرَكْعَةٌ فَيَحْتَاطُ أَوَّلًا فَيَسْجُدُ أَوَّلًا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي، وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سِتَّ سَجَدَاتٍ فَهُوَ مَا أَتَى إلَّا بِسَجْدَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَةٌ، وَإِنْ أَتَى بِهِمَا فِي رَكْعَةٍ فَعَلَيْهِ رَكْعَتَانِ فَيَحْتَاطُ فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ لَا يَقْعُدُ وَلَكِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَقْعُدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ تَمَّتْ بِاعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ الْوَجْهِ الثَّانِي، فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا سَبْعَ سَجَدَاتٍ فَهَذَا مَا سَجَدَ إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً فَيَسْجُدُ سَجْدَةً لِيُتِمَّ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا، وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ سُنَّةٌ وَبَعْدَهَا وَهِيَ قَعْدَةُ الْخَتْمِ، وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ فَهَذَا رَكَعَ أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ وَلَمْ يَسْجُدْ شَيْئًا فَيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ لِيُتِمَّ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الْقَعْدَةُ سُنَّةٌ وَبَعْدَهُمَا وَهِيَ قَعْدَةُ الْخَتْمِ.
(قَالَ): رَجُلٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْإِمَامِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَتَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً وَانْتَبَهَ النَّائِمُ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ وَقَدَّمَهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ إتْمَامُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَغَيْرُهُ أَقْدَرُ عَلَى هَذَا الْإِتْمَامِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَاحِقٌ حِينَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فَلِهَذَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِخْلَافِ تَعْتَمِدُ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا شَرِيكُهُ فِيهَا فَيَبْدَأُ فَيُصَلِّي الْأُولَى وَيَسْجُدُ الْقَوْمُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ قَضَاءَ هَذِهِ السَّجْدَةِ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ الْقَوْمُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَدَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ تِلْكَ السَّجْدَةَ الَّتِي تَرَكَهَا الْإِمَامُ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيَسْجُدُ الْقَوْمُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ قَضَاءَ هَذِهِ السَّجْدَةِ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ الْقَوْمُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَدَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ وَيَسْجُدُ الْقَوْمُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ قَضَاءَ هَذِهِ السَّجْدَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ بِسَجْدَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَلِّيَ الْقَوْمُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَدَّوْا هَذِهِ الرَّكْعَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَيَسْجُدُ الْقَوْمُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ قَضَاءَ هَذِهِ السَّجْدَةِ مِنْ هَذِهِ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَسْجُدُ الْقَوْمُ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَقَدْ كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ سُجُودُ السَّهْوِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ يَقُولُ فِي الْكِتَابِ: إنَّهُ تَفْسُدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ قَالَ: وَلِمَاذَا تَفْسُدُ؟ قُلْت: لِأَنَّ الْإِمَامَ يَصِيرُ مَرَّةً لِلْقَوْمِ إمَامًا وَمَرَّةً غَيْرَ إمَامٍ، وَهَذَا قَبِيحٌ.
وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي رَكْعَةٍ اسْتَحْسَنْت أَنْ أُجِيزَهُ فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا يَشْتَغِلُ بِهِ مِنْ الْإِتْمَامِ لَيْسَ بِإِمَامٍ لِلْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ فَرَغُوا مِنْهَا فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إمَامٌ فِي الْمَسْجِدِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ وَاللَّاحِقُ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ خُرُوجُهُ مِنْ حُكْمِ الْإِمَامَةِ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلِلْقَوْمِ أَنْ يَنْتَظِرُوهُ حَتَّى يُصَلِّيَ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ يَسْجُدَ بِهِمْ السَّجْدَةَ الْمَتْرُوكَةَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَحُ أَنْ يَتَكَرَّرَ خُرُوجُهُ مِنْ الْإِمَامَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حِينَ يَشْتَغِلُ بِإِتْمَامِ مَا عَلَيْهِ خَاصَّةً ثُمَّ عَوْدِهِ إلَى الْإِمَامَةِ حَيْثُ انْتَهَى إلَى السَّجْدَةِ الَّتِي تَرَكَهَا الْإِمَامُ مِنْ تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ فَلِهَذَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.